1 قراءة دقيقة
كورونا وسفينة النجاة ..

كورونا وسفينة النجاة ..

فيروس كورونا (كوفيد - 19 ) المستجد هذا الكائن المتناهي في الصغر والذي لا يُرى بالعين المجرّدة سريع العدوى ظهر بداية في بلاد الصين بمدينة أوهان، وأخذ بالانتشار السريع واجتاح العالم بأسره في شرق الأرض وغربها من جنوبها إلى شمالها ..

هذا الوباء لم تمنع انتشاره أعتى كبريات أقطاب العالم، ولم يوقف زحفه قوة أهل الأرض قاطبة ، ولم يصدّ عدوى بلاءه عظمى الدول ..

ما أعظمك يا الله !

مخلوق حقير لا يكاد يُرى هدّد العالم أجمع وأرعب شعوب الأرض ..

ضرب اقتصادهم ، وأوقف أعمالهم ، وعطّل مصالحهم ، وعلّق مؤسساتهم التعليمية ؛ بل تجاوز إلى إغلاق مساجدهم ومعابدهم  والأسواق والمتاجر والمطاعم وأماكن اللهو ودور الدعارة ..

 ولم يكتفي بهذا بل وصل به الأمر أنْ حجر الناس في بيوتهم وحدّ من حركتهم وقيّد نشاطهم ..

سبحانك ياالله ما أعظمك!

 فيروس غريب حيّر كبار علماء الطب من أهل الأرض من إيجاد علاجٍ له ..

سبحانك ياالله ما أعظمك ! 

تحدّى أقوى دول الأرض في مواجهته ، ولكنّه هزمها وأصاب أكثر شعوبها فتكاً وموتاً ..

وإنّ لله في ذلك حكمةً وعبرةً ليرى الإنسان ضعغه وقلّة حيلته، وإلا أين تلك الدول التي كانت بالأمس القريب تتغنّى بأمجادها ،وتتفاخر بقوّة سلاحها وجندها ،وتتعاظم بقدراتها الحضارية ،وتتباهى بصناعاتها التكنولوجية والطبية وغيرها ، وها هي اليوم ترفع راية الهزيمة ،وتعترف بعجزها ،وتخنع صاغرة لِتسلِّم ملف الأمر إذلالاً واعترافاً 

 لمن بيده الأمر في السماء بعد أنْ عجزت وانهارت سطوة أهل الأرض ؛ ليصدُق قول الله تعالى جلّ في علاه :(  حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) "يونس:24" ..

وبعد أنْ شعرت أمّة الأرض مسلمهم وكافرهم  أنّ مركبها تموج به رياح الخطر ،ويحدق بها غرق جائحة كورونا من كل مكان؛ ليرمي بها في بحر وبائها ،وهي تستنجد بصاحب القدرة والملكوت متضرِّعة له بأعلى صوتها « أنت المنجي وحدك من هذا البلاء يا الله » ..

ولن نخوض حول معرفة أسباب ومسبِّبات هذا الفيروس وكيف ومتى وأين تم تصنيعه وتركيبه ومهما يكن الأمر ؛ فإنّ مردّ ذلك وتدبيره عند من لا تغيب عنه غائبة في الأرض ولا في السماء علام الغيوب فاطر السماوات والأرض ..

والحمد لله أنْ جعلنا الله من أمّة التوحيد أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ،ومن هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية التي عَرَفَ العالم مكانتها وقدرها في الأزمات والمحن ؛ فضربت أروع الأمثلة في حفظ وسلامة وراحة شعبها والمقيمين فيها ؛ حيث بادرت بكامل أجهزتها الأمنية والصحية والخدمية والتعليمية، وسخّرت جميع إمكاناتها لحماية أبنائها ، ووفّرت الاحتياجات العلاجية والغذائية والمادية ، واتخذت كافة التدابير والإجراءات الاحترازية اللازمة ؛ فشهد لها القاصي والداني ووقف لها العالم احتراماً وتعظيماً لهذا الدور الكبير في هذا الموقف العصيب ..

وشارك أهل الفضل والعلم والمخلصين والأوفياء إخوانهم في دعم وقضاء منافع الناس ، وتوعية وتوجيه أبناء المسلمين لما فيه صلاحهم ورشدهم وهدايتهم ..

وأمّا أولئك الذين خنسوا وانزووا في جحورهم من بني ليبرال وعلمان وأهل الشهرة والظهور والإعلام الذين يمجِّدون الغرب ويحتقرون أوطانهم  بالتخلف والرجعية ؛ فأين هم اليوم؛ لم نسمع لهم صوتاً داعماً أو نرى لهم عملاً فاعلا ً ودوراً مشرّفاً لخدمة مجتمعهم ووطنهم ؟ هدانا الله وإياهم وأصلح حالنا وحالهم .. 

ونحن اليوم إذ نرجوا من الله أن يرفع هذا البلاء عن الأمّة وعن عباده في كل مكان ؛ فلا سبيل ولا مناص إلا باللحاق وركوب سفينة النجاة بالتضرع والابتهال والخضوع والتوبة إلى الله .. 

لذا، فإنّي أوصي إخواني باتباع الأسباب المقلّة لسفينة النجاة لتصل بهم إلى شواطئ الأمان ونحسبها إن شاء الله ،كما يلي : 

أولا ً : اتباع التعليمات والنصائح الاحترازية التي أقرّتها الحكومة ممثّلة في الجهات المعنيّة ..

ثانيا ً : التوبة النصوح ..

ثالثا ً : ملازمة الصبر والاحتساب، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها ،وقيام الليل وكثرة السجود ،والإلحاح في الدعاء والخضوع والخشوع لله تعالى ..

رابعا ً : كثرة أعمال البر والصدقة والمناصحة والحب في الله ..

خامساً : رضا الوالدين وبرهما والقيام بحقوقهما ..

سادساً : كثرة الإستغفار ، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء ، ومنها : 

( أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق ) ،

( بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) ،

( اللهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك وتحوّل عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك ) ،

( اللهم إنّي أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيّء الأسقام)، وإذا خرج من بيته لزم هذا الدعاء ( بسم الله توكلت على الله ،ولاحول ولا قوّة إلا بالله ) ، وغيرها من الأدعية الصحيحة المأثورة ..

وأخيراً وليس آخراً فإنّي أهمس إليك أخي المسلم بأنّنا أمّة مرحومة، وأنّ مع العسر يسراً ،ولْنَعلم أنّ الفرج قادم بإذن الله تعالى، والأمل في الله كبير وشمسه لن تغيب ،وستنجلي هذه الغمّة عمّا قريب ،وسنفرح ونحن في أحسن حال ، وندعوا الله أنْ يصرف هذا الوباء عن بلادنا خاصّة وعن بلاد المسلمين عامّة وعن عباده في كل مكان إنّه ولي ذلك والقادر عليه ..

د. عمر بن حسين الجفري ..